سورة النحل - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي بعد الإنسان سائر الحيوانات لاختصاصها بالقوى الشريفة. وهي الحواس الظاهرة والباطنة، والشهوة والغضب، ثم هذه الحيوانات قسمان: منها ما ينتفع الإنسان بها، ومنها ما لا يكون كذلك، والقسم الأول: أشرف من الثاني، لأنه لما كان الإنسان أشرف الحيوانات وجب في كل حيوان يكون انتفاع الإنسان به أكمل. وأكثر أن يكون أكمل وأشرف من غيره، ثم نقول: والحيوان الذي ينتفع الإنسان به إما أن ينتفع به في ضروريات معيشته مثل الأكل واللبس أو لا يكون كذلك، وإنما ينتفع به في أمور غير ضرورية مثل الزينة وغيرها، والقسم الأول أشرف من الثاني، وهذا القسم هو الأنعام، فلهذا السبب بدأ الله بذكره في هذه الآية، فقال: {والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ}.
واعلم أن الأنعام عبارة عن الأزواج الثمانية وهي: الضأن، والمعز. والإبل. والبقر، وقد يقال أيضاً: الأنعام ثلاثة: الإبل. والبقر. والغنم.
قال صاحب الكشاف: وأكثر ما يقع هذا اللفظ على الإبل. وقوله: {والأنعام} منصوبة وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله تعالى: {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} [يس: 39] ويجوز أن يعطف على الإنسان. أي خلق الإنسان والأنعام، قال الواحدي: تم الكلام عند قوله: {والأنعام خَلَقَهَا} ثم ابتدأ وقال: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} ويجوز أيضاً أن يكون تمام الكلام عند قوله: {لَكُمْ} ثم ابتدأ وقال: {فِيهَا دِفْء} قال صاحب النظم: أحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله: {خَلَقَهَا} والدليل عليه أنه عطف عليه قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال.
المسألة الثانية: أنه تعالى لما ذكر أنه خلق الأنعام للمكلفين أتبعه بتعديد تلك المنافع، واعلم أن منافع النعم منها ضرورية، ومنها غير ضرورية، والله تعالى بدأ بذكر المنافع الضرورية.
فالمنفعة الأولى: قوله: {لَكُمْ فِيهَا دِفْء} وقد ذكر هذه المعنى في آية أخرى فقال: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: 80] والدفء عند أهل اللغة ما يستدفأ به من الأكسية، قال الأصمعي: ويكون الدفء السخونة. يقال: أقعد في دفء هذا الحائط، أي في كنه. وقرئ: {دف} بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء.
والمنفعة الثانية: قوله: {ومنافع} قالوا: المراد نسلها ودرها، وإنما عبر الله تعالى عن نسلها ودرها بلفظ المنفعة وهو اللفظ الدال على الوصف الأعم، لأن النسل والدر قد ينتفع به في الأكل وقد ينتفع به في البيع بالنقود، وقد ينتفع به بأن يبدل بالثياب وسائر الضروريات فعبر عن جملة هذه الأقسام بلفظ المنافع ليتناول الكل.
والمنفعة الثالثة: قوله: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.
فإن قيل: قوله: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يفيد الحصر وليس الأمر كذلك، فإنه قد يؤكل من غيرها، وأيضاً منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللبس، فلم أخر منفعته في الذكر؟
قلنا: الجواب عن الأول: إن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر، فيشبه غير المعتاد. وكالجاري مجرى التفكه، ويحتمل أيضاً أن غالب أطعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر والحب والثمار التي تأكلونها منها، وأيضاً تكتسبون باكراء الإبل وتنتفعون بألبانها ونتاجها وجلودها، وتشترون بها جميع أطعمتكم.
والجواب عن السؤال الثاني: أن الملبوس أكثر بقاء من المطعوم، فلهذا قدمه عليه في الذكر.
واعلم أن هذه المنافع الثلاثة هي المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام.
وأما المنافع الحاصلة من الأنعام التي هي ليست بضرورية فأمور:
المنفعة الأولى: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلاً، ويقال: سرح القوم إبلهم سرحاً إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى.
قال أهل اللغة: هذه الإراحة أكثر ما تكون أيام الربيع إذا سقط الغيث وكثر الكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما يكون النعم في ذلك الوقت.
واعلم أن وجه التجمل بها أن الراعي إذا روحها بالعشي وسرحها بالغداة تزينت عند تلك الإراحة والتسريح الأفنية، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء، وفرحت أربابها وعظم وقعهم عند الناس بسبب كونهم مالكين لها.
فإن قيل: لم قدمت الإراحة على التسريح؟
قلنا: لأن الجمال في الإراحة أكثر. لأنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم اجتمعت في الحظائر حاضرة لأهلها بخلاف التسريح، فإنها عند خروجها إلى المرعى تخرج جائعة عادمة اللبن ثم تأخذ في التفرق والإنتشار، فظهر أن الجمال في الإراحة أكثر منه في التسريح.
والمنفعة الثانية: قوله: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
قال ابن عباس: يريد من مكة إلى المدينة. أو إلى اليمن. أو إلى الشام. أو إلى مصر.
قال الواحدي: هذا قوله والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل لشق عليكم وخص ابن عباس هذه البلاد، لأن متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد، وقرئ: {بِشِقِّ الأنفس} بكسر الشين وفتحها، وأكثر القراء على كسر الشين. والشق المشقة والشق نصف الشيء، وحمل اللفظ هاهنا على كلا المعنيين جائز، فإن حملناه على المشقة كان المعنى: لم تكونوا بالغيه إلا بالمشقة، وإن حملناه على نصف الشيء كان المعنى: لم تكونوا بالغيه إلا عند ذهاب النصف من قوتكم أو من بدنكم ويرجع عند التحقيق إلى المشقة. ومن الناس من قال: المراد من قوله: {والأنعام خَلَقَهَا} الإبل فقط بدليل أنه وصفها في آخر الآية بقوله: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه} وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل.
قلنا: المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصلة في الكل وبعضها مختص بالبعض، والدليل عليه: أن قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} حاصل في البقر والغنم مثل حصوله في الإبل، والله أعلم.
المسألة الثانية: احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فقالوا: هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس؛ وحمل الأثقال على الجمال ومثبتو الكرامات يقولون: إن الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة، فكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلاً، ولما بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور، لأنه لا قائل بالفرق.
وجوابه: أنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرمات. والله أعلم.


{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر منافع الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها في المنافع الضرورية والحاجات الأصلية، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في المنافع التي ليست بضرورية، فقال: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {والخيل والبغال والحمير} عطف على الأنعام، أي وخلق الأنعام لكذا وكذا، وخلق هذه الأشياء للركوب. وقوله: {وَزِينَةً} أي وخلقها زينة، ونظيره قوله تعالى: {زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وَحِفْظاً} [فصلت: 12] المعنى: وحفظناها حفظاً.
قال الزجاج: نصب قوله: {وَزِينَةً} على أنه مفعول له. والمعنى: وخالقها للزينة.
المسألة الثانية: احتج القائلون بتحريم لحوم الخيل بهذه الآية. فقالوا منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب، فلو كان أكل لحم الخيل جائزاً لكان هذا المعنى أولى بالذكر، وحيث لم يذكره الله تعالى علمنا أنه يحرم أكله، ويمكن أيضاً أن يقوي هذا الاستدلال من وجه آخر. فيقال: إنه تعالى قال في صفة الأنعام: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] وهذه الكلمة تفيد الحصر، فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعام، فوجب أن يحرم أكل لحم الخيل بمقتضى هذا الحصر، ثم إنه تعالى بعد هذا الكلام ذكر الخيل والبغال والحمير وذكر أنها مخلوقة للركوب، فهذا يقتضي أن منفعة الأكل مخصوصة بالأنعام وغير حاصلة في هذه الأشياء، ويمكن الاستدلال بهذه الآية من وجه ثالث وهو أن قوله: {لِتَرْكَبُوهَا} يقتضي أن تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة هو الركوب والزينة، ولو حل أكلها لما كان تمام المقصود من خلقها هو الركوب، بل كان حل أكلها أيضاً مقصوداً، وحينئذ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصود، بل يصير بعض المقصود.
وأجاب الواحدي بجواب في غاية الحسن فقال: لو دلت هذه الآية على تحريم أكل هذه الحيوانات لكان تحريم أكلها معلوماً في مكة لأجل أن هذه السورة مكية، ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدثين أن لحوم الحمر الأهلية حرمت عام خيبر باطلاً، لأن التحريم لما كان حاصلاً قبل هذا اليوم لم يبق لتخصيص هذا التحريم بهذه الشبهة فائدة، وهذا جواب حسن متين.
المسألة الثالثة: القائلون بأن أفعال الله تعالى معللة بالمصالح والحكم، احتجوا بظاهر هذه الآية فإنه يقتضي أن هذه الحيوانات مخلوقة لأجل المنفعة الفلانية، ونظيره قوله: {كِتَابٌ أنزلناه إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} [إبراهيم: 1] وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] والكلام فيه معلوم.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول لما كان معنى الآية أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير لتركبوها وليجعلها زينة لكم فلم ترك هذه العبارة؟
وجوابه أنه تعالى لو ذكر هذا الكلام بهذه العبارة لصار المعنى أن التزين بها أحد الأمور المعتبرة في المقصود، وذلك غير جائز، لأن التزين بالشيء يورث العجب والتيه والتكبر، وهذه أخلاق مذمومة والله تعالى نهى عنها وزجر عنها فكيف يقول إني خلقت هذه الحيوانات لتحصيل هذه المعاني بل قال: خلقها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر، ولكنه غير مقصود بالذات، فهذا هو الفائدة في اختيار هذه العبارة.
أو اعلم أنه تعالى لما ذكر أولاً: أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعاً ضرورياً وثانياً: أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعاً غير ضروري بقي القسم الثالث من الحيوانات وهي الأشياء التي لا ينتفع الإنسان بها في الغالب فذكرها على سبيل الإجمال فقال: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وذلك لأن أنواعها وأصنافها وأقسامها كثيرة خارجة عن الحد والإحصاء ولو خاض الإنسان في شرح عجائب أحوالها لكان المذكور بعد كتبة المجلدات الكثيرة كالقطرة في البحر فكان أحس الأحوال ذكرها على سبيل الإجمال كما ذكر الله تعالى في هذه الآية، وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال: إن على يمين العرش نهراً من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع، والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر ويغتسل فيزداد نوراً إلى نوره وجمالاً إلى جماله، ثم ينتفض فيخلق الله من كل نقطة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك يدخل منهم كل يوم سبعون ألفاً البيت المعمور، وفي الكعبة أيضاً سبعون ألفاً، ثم لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة.


{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
اعلم أنه تعالى لما شرح دلائل التوحيد قال: {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} أي إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحتها إزاحة للعذر وإزالة للعلة ليهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: القصد استقامة الطريق يقال: طريق قصد وقاصد إذا أداك إلى مطلوبك، إذا عرفت هذا ففي الآية حذف، والتقدير: وعلى الله بيان قصد السبيل، ثم قال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} أي عادل مائل ومعنى الجور في اللغة الميل عن الحق والكناية في قوله: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} تعود على السبيل، وهي مؤنثة في لغة الحجاز يعني ومن السبيل ما هو جائر غير قاصد للحق وهو أنواع الكفر والضلال، والله أعلم.
المسألة الثانية؛ قالت المعتزلة: دلت الآية على أنه يجب على الله تعالى الإرشاد والهداية إلى الدين وإزاحة العلل والأعذار، لأنه تعالى قال: {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} وكلمة على للوجوب قال تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] ودلت الآية أيضاً على أنه تعالى لا يضل أحداً ولا يغويه ولا يصده عنه، وذلك لأنه تعالى لو كان فاعلاً للضلال لقال: {وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} وعليه جائرها أو قال: وعليه الجائر فلما لم يقل كذلك بل قال في قصد السبيل أنه عليه، ولم يقل في جور السبيل أنه عليه بل قال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} دل على أنه تعالى لا يضل عن الدين أحداً.
أجاب أصحابنا أن المراد على الله بحسب الفضل والكرم أن يبين الدين الحق والمذهب الصحيح فإما أن يبين كيفية الاغواء والإضلال فذلك غير واجب فهذا هو المراد، والله أعلم.
المسألة الثالثة: قوله: {وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} يدل على أنه تعالى ما شاء هداية الكفار، وما أراد منهم الإيمان، لأن كلمة (لو) تفيد انتفاء شيء لانتفاء شيء غيره قوله؛ {وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ} معناه: لو شاء هدايتكم لهداكم، وذلك يفيد أنه تعالى ما شاء هدايتهم فلا جرم ما هداهم، وذلك يدل على المقصود.
وأجاب الأصم عنه بأن المراد لو شاء أن يلجئكم إلى الإيمان لهداكم، وهذا يدل على أن مشيئة الإلجاء لم تحصل.
وأجاب الجبائي بأن المعنى: ولو شاء لهداكم إلى الجنة وإلى نيل الثواب لكنه لا يفعل ذلك إلا بمن يستحقه، ولم يرد به الهدى إلى الإيمان، لأنه مقدور جميع المكلفين.
وأجاب بعضهم فقال المراد: ولو شاء لهداكم إلى الجنة ابتداء على سبيل التفضل، إلا أنه تعالى عرفكم للمنزلة العظيمة بما نصب من الأدلة وبين، فمن تمسك بها فاز بتلك المنازل ومن عدل عنها فاتته وصار إلى العذاب، والله أعلم.
واعلم أن هذه الكلمات قد ذكرناها مراراً وأطواراً مع الجواب فلا فائدة في الإعادة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8